منتدى إقرأ الثقافي منتدى ثقافي للكتب باللغات الكوردية, العربية, الفارسية و الإنجليزية |
|
| الهوية الإسلامية - الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن المهلهل الياسين | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابو علي الكردي المدير
عدد المساهمات : 11825 تاريخ التسجيل : 01/09/2013 العمر : 63 الموقع : أربيل
| موضوع: الهوية الإسلامية - الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن المهلهل الياسين الثلاثاء يونيو 30, 2015 1:08 am | |
| الهوية الإسلامية تأليف/الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن المهلهل الياسين الناشر/شركة السماحة للطباعة و النشر و التوزيع - الكويت الطبعة/الأولى 1433 - 2012
هذه المقدمة من موقع السماحة للشيخ الدكتور: 1- -لا يزال في جعبة الغرب الكثير من الوسائل الماكرة التي لا يمل من محاولة الابتكار فيها لتحطيم الهوية الإسلامية وتذويبها في قطار العولمة المندفع .
2-عندما حاول السياسي العربي إظهار اعتداله الذليل رد عليه اليهودي بكل فخر وعزة قائلاً: "إنكم أحرار في الفصل بين الدين والدولة , ولكننا في إسرائيل نرفض أن نقول إن اليهودية مجرد دين فقط "
3- بدلاً من الهجوم الواضح على قيم الدين يتم اللجوء إلى المرحلية التي تدس السم بجرعات محسوبة يتقبلها الجسم ولا يعود يشعر بمذاقها المر ولا تأثيرها المدمر على الروح المخنوقة وعلى النفسية المأزومة .
4- الحضارة الإسلامية قائمة على رؤية للعالم مناقضة للرؤية التي تأسست عليها الحضارات الأخرى ولكل جانب من جوانب الحياة لها مرجعية لا تتعارض مع الفطرة السليمة ولا تخالف قوانين الله الحكيمة .
5- تأخر الفكر الإسلامي بسبب انشغال العلماء بالردود على الملاحدة والزنادقة وأصحاب الأفكار المنحرفة،وتخليص القيم والمفاهيم الإسلامية مما علق بها من تشوهات .
6- كان من أهم عواصم الهوية الإسلامية من الانحراف – في القرون الأولى- أنها كانت على قواعد عقيدة ربانية مستوحاة من الله تعالى بكل أركانها وعناصرها ومقوماتها وخصائصها .
انتهينا من مقالنا السابق عند حلقة من حلقات محاور تحطيم الهوية الإسلامية وهي الإعلام سواء الإعلام الغربي أو ذلك الإعلام العربي المقلد ,التابع ، على أن ذلك رغم خطورته يعد صورة واحدة أو محوراً واحداً من محاور تحطيم الهوية، وما تزال السلسلة متواصلة ولا يزال في جعبة الغرب الكثير من الوسائل الماكرة التي لا يمل من محاولة الابتكار فيها باستمرار وهذا يؤكد صحة ما ذهبنا إليه من أن الهدف الأساسي لدى الغرب هو تفريغ العقيدة الإسلامية من محتواها ليصبح الدين منعزلا عن الحياة غير فاعل فيها وفي توجيهها نحو قيم الخير والعدل والحق ، وهذه الممارسات قد أتت أكلها في كثير من الأوقات , ومن المكابرة إنكار النجاحات الجزئية التي حققتها تلك الوسائل التي تزن في أذن الإنسان العربي والمسلم ليل نهار بحيث تشربها عقله الباطن حتى ألف المنكر ولا يكاد نفسه تأنف منه ومن مظاهره الساقطة المتكررة في مشاهد حياته اليومية .
وعندما عقدت ندوة في تل أبيب أعلن رئيس وزراء إحـدى الدول العربية , محاولا إظهار اعتداله الذليل قائلا:" أننا في بلدنا نفرق بين الدين والقومية ولا نقبل أن تكون قيادتنا السياسية مرتكزة على معتقداتنا الدينية" رد عليه اليهودي ديفيد فيثال بكل فخر وعزة للأسف قائلاً: "إنكم أحرار في الفصل بين الدين والدولة , ولكننا في إسرائيل نرفض أن نقول إن اليهودية مجرد دين فقط " وهذا واضح وضوح الشمس فهذه "اللقيطة" ليس لها دستور كدساتير الدول الأخرى أو شعار لأنها لم تقم إلا على أساس الدين اليهودي وبل وتحمل اسم نبي الله يعقوب "إسرائيل" ودستورها التوراة ويتمسك السياسيون وعامة الشعب بتعاليمها في السياسة والاجتماع وحياة الأفراد ، وقد أحيوا اللغة العبرية التي انقرضت مند زمن لتكون لغتهم الخاصة بينما , اللغة العربية التي تفوق كل تلك اللغات الفقيرة ولعليلة لا تجد لها ناصرا ولا مدافعا مع أنها لغة القرآن أفضل منهج لحياة البشر بلا منازع وعلى الإطلاق .
وجاء في صحيفة "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 18/3/1987: "إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة مهمة هي جزء من إستراتيجية إسرائيل من حربها مع العرب طوال ثلاثين عاماً وهي وجوب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد ولهذا يجب أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا من منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي أسلوب ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا".
العقيدة هي المقصودة
من الواضح أن وجوه معركة التحدي المعاصر والتي ساحتها الرئيسية "الهوية" ترمى كما رمت في القديم إلى محاولة استئصال العقيدة الإسلامية أو على الأقل محاولة تشويهها، لأنه أصبح واضحا للعيان أثر العقيدة الإسلامية في استقامة الهوية والحفاظ عليها ، ولأن الهوية هي رمز المسلم ولا تتشكل من عنصر واحد أو من جانب معرفي واحد تعددت مجالات التحدي بتعدد صوره وأشكاله فكانت التحديات السياسية والفكرية والنفسية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية ولكل واحد من هذه المجالات خطط وأسلحة، منها الظاهر والخفي وبعضها هجومي وآخر دفاعي.
لذا فقد فهم أعداء الإسلام ضرورة أن يتم التحول وفق مفهوم التطهير التدريجي للهوية الإسلامية لمحاولة إخراجها من إسلاميتها وإحلال المضمون الغربي محلها، ومن العجيب أن الثقافة الإسلامية نفسها قد تكون عاملاً مهماً في عملية التحويل يقول أحد المنصرين: المسلمون في حاجة لأن يتم اللقاء بهم داخل إطار الإسلام، ويقول أيضاً:" من البديهي أن الناس يكونون أكثر رغبة من تقبل الإنجيل عندما يقدم إليهم بطريقة ملائمة غير غريبة عن ثقافتهم"[1] وبهذا –ووفق اعتقادهم- ينخلع المسلم من هويته بهويته ذاتها ويتنصل من عبادته بعبادته نفسها، ويتجرع الثقافة الغربية بأواني إسلامية، وسيعظم التأثير طبعاً إذا جاء بألسنة عربية أو كتب بأقلام عربية، ولذا كان دأب الغرب في أن يتربى جيل من المثقفين في أحضانه ثم ينشرون ما تعلموه على أبناء قومهم بلسان عربي مبين...!
ووفق مفهوم التطهير التدريجي فسيقدم ويسوق شهر رمضان المبارك مثلا على أنه شهر المغفرة والرحمة دون أن يشعر الصائم بتناقض ذلك مع طوفان المسلسلات الدرامية الفاسدة التي تحاصر الصائم ليل نهار ، ولا حالة الاستنفار الرهيبة لتخزين الطعام وتحويله إلى مكب النهايات في نهاية اليوم, ولا يجد الصائم وفق هذا المفهوم المشوه والمدعوم من جهات مشبوه ومصالح تجارية تسعى للكسب ولو على حساب القيم والأخلاق لمعنى الصيام أي حرج في ارتياد الخيم الرمضانية وحرق صحته وتقواه وصيامه بتدخين الشيشة واستنفاذ أعظم ليالي العام بركة ومكانة عند الله في مجالس اللغو والنميمة والغيبة والنظر إلى ما لم يحله الله في صوم أو فطر , ثم ينهي هذا الشهر الفضيل بارتكاب المحرمات على مختلف أنواعها في أيام العيد باعتبارها أيام فرح , بحيث لا يعود لا قلبه ولا ضميره يؤنبه على هذه المتواليات الهندسية من الذنوب والآثام.
هذا مثال بسيط والعهد به قريب على فنون تحطيم الهوية الإسلامية التي تنضج على نار هادئة وناعمة بحيث لن تبقى من هذه الهوية سوى الأشكال دون المضامين والشعارات دون الممارسات , وهكذا وبكل خبث وبدلاً من الهجوم الواضح والتحول المفاجئ في قيم ومبادئ المسلم الذي ربما يأتي بنتيجة عكسية ويحدث صدمة لديه تزيده تمسكاً بدينه يأتي التحويل التدريجي الخبيث الذي يدس السم بجرعات محسوبة حتى يتقبلها الجسم ولا يعود يشعر بمذاقها المر ولا تأثيرها المدمر على روحه المخنوقة وعلى نفسيته المأزومة .
حلقة لا تنتهي
فحلقات الغزو الفكري مستمرة منذ أول لقاء جمع بين الفكر الإسلامي والغرب ولن ينتهي أبداً وقد تختلف أشكاله وآلياته ولكنها في النهاية تهدف الى نفس الهدف الخبيث , وسأسوق بعض الأقوال شاهداً على أن هذا الغزو كان له أثره الخطير على عقائدنا وعلى أخلاقنا وكذلك هويتنا، فقد جاء في كتاب "الطفل والأمور الجنسية" وهو الكتاب الذي يحمل رقم 12 من سلسلة عنوانها: كيف نفهم الأطفال وهو كتاب ظهر بالإنجليزية ثم اجتهدت مؤسسة أمريكية على نشره وترجمته إلى العربية جاء في هذا الكتاب: إن الكثيرين من الآباء اليوم لا يكترثون للظهور مجردين من الثياب أمام أطفالهم الصغار، وهذا أمر لم يكن يحدث في الماضي إلا نادراً، فيرى الصغار أبويهم وهم يخلعون ملابسهم أو يرتدونها، فإذا كان في وسع الآباء أن يفعلوا ذلك دون شعور بالحرج أو الاضطراب فإن ذلك يكون مراناً طبيعياً بصورة طبيعية، لأنه يعود الطفل الشعور بأن الجنس ليس أمراً مشيناً كما يساعد على إشباع فضوله فيما يتعلق بأجسام الكبار"أ.هـ
وجاء أيضاً في نفس الكتاب فيما يتعلق بالاختلاط في المدارس والنوادي: إذا حدث استلطاف بين بعض البنين والبنات فينبغي النظر إليه على أنه نوع من الصداقة، وليس غراماً أو عشقاً، فالمعاكسات البريئة قد تبعث في صداقتهما دفئاً كانا يفتقران إليه، وقد تولد فيهما الشعور بأنه يتوقع منهما أن يسلكا مسلك الكبار"أ.هـ.
ويقول أحد الكتاب الأمريكيين[2]: من أراد أن يكون رجلاً ينبغي أن ينشق على السائد المألوف ومن أراد أن يجمع ثمر النخيل الخالد ينبغي ألا يعوقه ما يسميه الناس خيراً، بل يجب عليه أن يكتشف إن كان ذلك خيراً حقاً لا شيء في النهاية مقدس سوى نزاهة عقلك"أ.هـ.
وأمثال هذا الكلام كثير، مع أن هذه الأفكار نفسها هي التي جعلت الغرب في دوامة من القضايا الاجتماعية لا تنتهي وكثرت من أجل ذلك معدلات الجريمة والعنف والأمراض النفسية كالاكتئاب وزادت أيضاً معدلات الانتحار والإحصائيات تزداد يوماً بعد يوم.
وهنا تكمن خطورة مثل هذه الأفكار ومن خلالها نعرف النوايا السيئة والضمائر الملتوية والحقد الدفين مع أننا نقول أن صدور هذه الأفكار ليس غريباً منهم أما أن تصدر من أفواه تتكلم بالعربية وبأقلام عربية فهذا هو الأمر الغريب العجيب.
سر الصمود
إن الإشكالية بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب لا تنبع فقط من مجرد معطيات سياسية و تراكمات تاريخية، بل المسألة تكمن في أن الحضارة الإسلامية قائمة على رؤية للعالم مناقضة للرؤية التي تأسست عليها الحضارات الأخرى , وهذه الرؤية في ذاتها متعددة الجوانب والأشكال فمنها الجانب المادي ومنها الجانب الاجتماعي ومنها الجانب السياسي ولكل جانب من هذه الجوانب مرجعية في الإسلام ورؤية لا تتعارض مع الفطرة السليمة ولا تخالف قوانين الله الحكيمة، وهذا هو سر الصمود بينما في الطرف الثاني تقف الاشتراكية والرأسمالية باعتبارهما نمطين مختلفين نبعا من خلفية واحدة وقد حاولتا إجبار الجماهير المسلمة على تغيير تراثها الثقافي التاريخي مستخدمة بذلك وسائل متعددة ومع ذلك فإن الهوية القوية التي رسختها الأصول الإسلامية وأثبتت قدرتها على البقاء وعلى تحدي تلكم الصيغ الجديدة المفروضة قسراً الأمر الذي يؤكد تفوق الروح والجوهر الداخلي للنموذج الإسلامي على الأنماط والهياكل الاجتماعية الخارجية . وهذا هو بالذات سر الصمود الذي أثار الفكر الغربي وحار فيه ساسة الغرب , على الرغم من مكر الليل والنهار لتفكيك الأسرة ومحاولة أعادة تعريف الأسرة بحيث لا تعود بالضرورة تتكون من ألأم والأب بالإضافة إلى التنفير من الزواج المبكر الذي يحفظ للإنسان كيانه الاجتماعي واستقراره النفسي ناهيك عن إجراءات تحديد النسل وسلب قوامة الرجال على النساء وسلب ولاية الآباء على الأبناء وتسليع المرأة والولوج بها في أسواق المتعة من أجل جلب المزيد من المال وتحقيق الإشباع الغريزي الحيواني الذي يزيد البشرية شقاء وانحرافا ودمارا وانهيارا .
يقول جرونباوم: إن الأمم تتألف وتتفكك والحضارات تزدهر وتندثر لكن الإسلام بقى صامداً وقادراً على احتواء أهل الحضر وأهل المدر مستوعباً بناة الحضارات داخله وأولئك الذين يدمرونها فما هي إذن العوامل التي جمعتهم كأمة واحدة وما الذي جعلهم يتجهون بوعي أو بدون وعي صوب المحافظة على خصوصيات شخصيتهم المنفردة في الوقت الذي راحوا يوطدون فيه علاقاتهم مع دين إسلامي عالمي ويعتبرونه أثمن ممتلكاتهم الروحية"ا.هـ.
فهل هذا الصمود يعبر عن نزعة جامحة لتبني قيم مغرقة في القدم والنقاء فحسب كما يزعم "فوكوياما" المفكر الأمريكي، أم هي تعبير عن حيوية موقوتة سطحية مرهونة بالأموال القادمة من دول النفط كما يقول :دانيال بابيس" المفكر اليهودي.
الإسلام والآخر
المسلم لا يعيش في عزلة عن عالمه، بل هو شخص متفاعل مع ذلك العالم وليس شخصاً عادياً بل مؤثراً فاعلاً، تعلم من نبيه صلى الله عليه وسلم أن "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها"[3] فلم يقف المسلم عند حدود نفسه بل تعداها إلى حيث توجد الحكمة والمنفعة السوية الراشدة، فطالب الحق على يقين من أن الحق قد ينطق به غير المؤمنين ويؤخذ عنهم، بغض النظر عمن قاله فالعبرة بما قيل، لا بمن قال.
وقد نقل القرآن عن امرأة العزيز قولها حين حقق معها الملك في قضية يوسف "وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم"[4] حتى إن بعض المفسرين استكثروا ذلك عليها وقالوا: إنه من كلام يوسف والسياق قاطع بأنه من كلام المرأة كما قال ابن كثير في تفسيره[5].
وإن كان مطلوباً للمسلم أن يكون على هذا الوعي فمطلوب إليه كذلك أن يكون على وعي بما ينقل وبما يأخذ، والتاريخ يحدثنا عن بدايات التصادم الفكري بين الإسلام والحضارة الغربية في أيام العباسيين بالذات عندما استورد بعض خلفاء بني العباس كتب اليونان القديمة التي تتكلم عن الفلسفة والمملوءة بالأفكار المعقدة التي لا تتلاءم مع بساطة الفكرة الإسلامية ونقائها وفطرتها.
ويحكي التاريخ أن المأمون استأذن ملك الروم في البحث عن العلوم التي في خزانة بلاده، وعلى جانب آخر كان من شروط صلح الخليفة المأمون مع ميخائيل الثالث الإمبراطور البيزنطي أن يعطيه إحدى مكتبات الأستانة وتم ذلك بالفعل عند ذلك ظهر الفكر الفلسفي وظهرت أفكار اليونان والرومان وأفكار الفرس على سطح الثقافة الإسلامية وفتن بها الكثيرون حتى وضع البعض كتباً تحاول التوفيق بين هذه الثقافة الغريبة عن الفكرة الإسلامية السوية وبين ما جاء به الإسلام بصرف النظر عن نجاح تلك المحاولة أو فشلها.
وكانت النتيجة أن انشغل الناس بهذه الأفكار فترة من الزمان شوشت على عقول الكثيرين وحار الناس فيها بين مؤيد لكل ما فيها حتى صارت كل مفردات كلامه من هذه الأفكار واستمات في الدفاع عنها وما بين معارض لها ولكل حرف منها نابذاً إياها من ألفها إلى يائها، فكان من آثار ذلك أن تأخر الفكر الإسلامي بسبب انشغال العلماء بالردود على الملاحدة والزنادقة وأصحاب الأفكار المنحرفة،وتخليص القيم والمفاهيم الإسلامية مما علق بها من تشوهات نتيجة للخلط الذي صار بين القيم الإسلامية السمحة والفلسفة اليونانية بما فيها من أوهام وتخرصات.
فهل يمكن أن نعد ذلك حلقة من حلقات العرقلة التي مني بها الفكر الإسلامي أم نحسب أن ذلك شيء طبيعي ومنطقي لحضارة علمية إسلامية وليدة، وثمة تساؤل آخر يفرض نفسه وهو إلى أي مرجع كانت تستند هوية الأمة الإسلامية في هذه الفترة؟
الواضح أنها كانت ترجع إلى الإسلام، فالفتوحات الإسلامية كانت مستمرة وعلى نطاق واسع باسم الإسلام وولاء الأمة، ومرجعيتها العليا كانت للإسلام وتوقيرها واحترامها ومساندتها كانت للعلماء العاملين الحاملين لواء الفكر الإسلامي الصحيح.
ولا أدل في ذلك من وقوف الأمة كلها خلف إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل في فتنة خلق القرآن، وهذا يجعلنا متفائلين ولا يصدنا عن إتباع الحق فنحن على يقين من أن أبوابً واسعة إعلامية وسياسية قد تفتح لفئة معينة في وقت لا تفتح فيه للعلماء العاملين المصلحين الذين يريدون للناس الصلاح لا الفساد لكن هذا لا يعبر أبداً عن الأرضية العامة والقاعدة العريضة من جموع الأمة التي تشربت أعناقها للفكر الإسلامي الصحيح وميزان الإسلام المعتدل.
وتحت عنوان "التنوير وغياب الهوية" كتب فاروق جويدة في جريدة الأهرام بتاريخ 30 يوليو سنة 2000 قال: في قضية التنوير يجب أن نفرق بين ثلاثة مواقف على المستوى الفكري والثقافي ، هناك فرق بين التفاعل الثقافي والنقل الثقافي والغزو الثقافي ، إن التفاعل الثقافي حوار بين ثقافتين على أرض واحدة وأهم ما في هذا الحوار أن يكون متكافئاً من حيث التأثير والتأثر بحيث لا يستبيح أحدهما الآخر أو يجور عليه، أما النقل الثقافي فهو أن أجلس أمام الآخر لكي يلقني ما يريد ابتداءً بالسياسة وانتهاء بالفكر مروراً على النقل الأعمى لكل مظاهر السلوك دون وعي أو اختيار، أو تفكير، أما الغزو الثقافي فهو أن يكون الهدف الوحيد للرسالة الثقافية هدفاً سياسياً صريحاً وواضحاً ولا خلاف عليه حتى وإن تخفى في ثياب ثقافية مبهرة، والمشكلة الأساسية الآن أن هذه المواقف الثلاثة تتداخل أحياناً في بعضها بحيث يصعب الفصل بينها، ولكن في ظل ارتفاع درجة الوعي الفكري والسياسي لا ينبغي أبداً أن تغيب عنا هذه الوجوه لأن المسافة بينها بعيدة جداً وإن كانت أحياناً تبدو قريبة"ا.هـ.
وكان هذا الكلام تعليقاً على نشر وزارة الثقافة المصرية لرواية وليمة لأعشاب البحر التي أثارت ضجة وزوبعة لتعيدها على ثوابت الإسلام.
مقومات الحفاظ على الهوية
لقد كان من أهم عواصم الهوية الإسلامية من الانحراف – في القرون الأولى- أنها كانت على قواعد عقيدة ربانية موحاة من الله تعالى بكل أركانها وعناصرها ومقوماتها وخصائصها، يقول سيد قطب عن هذا المصدر الرباني: "هو الذي ميز هذه العقيدة وما انبثق عنها من تصورات وأفكار، هو الذي ميز هذه العقيدة السليمة من المعتقدات الوثنية التي تنشئها المشاعر والأخيلة والأوهام والتصورات البشرية المختلفة ومنحها خصائص لم تتوفر في عقيدة غيرها، منها الإحاطة والشمول والتوازن... وتحديد العلاقة بين الله تعالى والكون والإنسان"[6].
أما عقائد أهل الكتاب فقد تعرضت -لاعتمادها على مصادر أخرى غير الوحي- لكثير من الانحرافات والاضطرابات والتي غيرت طبيعتها الربانية، وهذه المصادر البشرية نشأ بعضها عن تصورات فلسفية مصدرها الوحيد الفكر البشري بكل ما يتسم من محدودية وقصور، وغير خفي عن المثقف العربي أن الإسلام حين بدأ يتعامل مع الفلسفة في هذا المجال انفتحت عليه أبواب من الشرور والانحرافات والخلط بين قضايا الغيب والشهادة بشكل لا تزال آثاره الضارة ظاهرة واضحة في الواقع الإسلامي وفي العقل المسلم إلى يومنا هذا.
هذه العقيدة الربانية كانت مصدراً رئيساً في بناء الهوية الإسلامية فنأت بها عن الانحراف والضلال، ومنحتها قوة وصلابة بقدر قوة وصلابة العقيدة، وهذه حقيقة يؤكدها القرآن في مواطن عدة ويقص ما جرى في حياة الأمم الماضية والقرون الغابرة من خير وشر أو سعادة أو شقاء نتيجة لموقف هذه الأمم من العقيدة، مقرراً أن مصير هذه الأمم التي بعث فيها الأنبياء بعقيدة التوحيد كان متعلقاً بمدى الاستجابة لها، والعمل بمقتضاها فقامت أمم وثبتت وولت أمم وما بقى منها سوى آثارها التي تقول: كانت هنا أمة ثم ذهبت مع من ذهب.
والهوية الإسلامية بارتكازها على العقيدة ليست من وضع بشر منساق بطبيعته البشرية إلى عوامل الضعف والنقص، بل إن انبثاقها عن المنهج الإلهي يعطيها مطلق الثقة الكاملة بها ويجعلها دائماً وأبداً موضع الإيمان والتسليم.
رابط تحميل الكتاب ------------
رابط - archive - المباشر
رابط - 4shared - البديل
| |
| | | ابو عبدالرحمن الكردي مشرف
عدد المساهمات : 5013 تاريخ التسجيل : 03/09/2013 العمر : 48 الموقع : (أرض الله الواسعة)
| موضوع: رد: الهوية الإسلامية - الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن المهلهل الياسين الثلاثاء يناير 09, 2018 7:09 am | |
| جزاکم الله خیرا واحسن الله الیکم واعانکم الله | |
| | | | الهوية الإسلامية - الشيخ الدكتور جاسم بن محمد بن المهلهل الياسين | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|