الداء والدواء
صنفه الإمام المحقق العلاّمة ابن قيم الجوزية
الناشر : دار ابن الجوزي - السعودية
الطبعة : السادسة 1423 ھ
(سئل الشيخ الإمام العالم العلامة المتقن الحافظ الناقد شمس الدين أبو عبدالله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر عرف بابن القيم الجوزية رضي الله عنه
ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضى الله عنهم أجمعين في رجل ابتلى ببلية وعلم أنها إن استمرت به أفسدت دنياه وآخرته وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق فما يزداد إلا توقدا وشدة فما الحيلة في دفعها وما اسلام إلى كشفها فرحم الله من أعان مبتلى والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أفتونا مأجورين )
ثم بدأالإمام والبحروالحبر.. بالجواب وذكر أنه مامن داء إلا وله دواء واستدل بأدلة كثيرة..ثم تحدث عن أنجع الأدوية وأحلاها وهوالقرآن فقال:
(وقد أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء فقال الله تعالى <ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدي وشفاء> وقال< وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين >ومن ههنا لبيان الجنس لا للتبعيض فإن القرآن كله شفاء كما قال في الآية الأخرى فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أشجع في إزالة الداء من القرآن )
ومن جميل قوله عن التداوي هذه المقولة التي سنوردها ..
فأنها تبين معان عظيمة عند ابن القيم وتبين كذلك سر الإخفاق في علاجنا..
(ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرا عجيبا في الشفاء ومكثت بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبا ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيرا عجيبا فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما وكان كثير منهم يبرأ سريعا )
ثم ذكر من وسائل العلاج الدعاء وأسهب في الحديث عنه وكان من جميل قوله..وبديع تقسيمه..
قوله:
(الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض وله مع البلاء ثلاث مقامات أحدها أن يكون أقوي من البلاء فيدفعه الثاني أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا الثالث أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه)
ولقد راقتني مقولة للإمام أحمد يصف فيها درجة الكمال في الدعاء والتضرع قال ابن القيم:
(وفى كتاب الزهد للامام أحمد عن قتادة قال قال مورق ما وجدت للمؤمن مثلا الا رجل في البحر على خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله عز وجل أن ينجيه )
ثم تحدث عن اسباب تأخر الدعاء وان من ذلك الإستعجال وشبه المستعجل تشبيها دقيقا قال فيه:
(ومن الآفات التى تمنع ترتب أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد ويستبطي الاجابة فيستحسر ويدع الدعاء وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله )
ثم تحدث الشيخ عن خلطة سرية يضمن لك فيها الإستجابة أتركك مع هذه الخلطة:
(واذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب وصادف وقتا من أوقات الاجابة الستة وهي الثلث الاخير من الليل وعند الأذان وبين الأذان والاقامة وادبار الصلوات المكتوبات وعند صعود الامام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم وصادف خشوعا في القلب وانكسارا بين يدي الرب وذلاله وتضرعا ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده صلى الله عليه وسلم ثم قدم
بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله والح عليه في المسئلة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل اليه باسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة
فان هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا..!
ولا سيما ان صادف الادعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الاجابة أو أنها متضمنة للأسم الأعظم )
ثم شبه الشيخ كذلك تشبيها بليغا حال الداعي ومتى يكون دعاءه مقبولا ذو اثر:
(والادعية والتعوذات بمنزلة السلاح والسلاح بضاربه لا بحده فقط فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به والساعد ساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير فإن كان الدعاء في نفسه أو الداعى لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء أو كان ثم مانع من الاجابة لم يحصل الأثر )
ثم ذكر الإمام مسألة قدرية وسؤال قال فيه:
(وههنا سؤال مشهور وهو ان المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه دعا به العبد أو لم يدع وان لم يكن قد قدر لم يقع سواء سأله العبد أو لم يسأله)
وبعد إيراد السؤال بدأالشيخ بتفنيد هذه الشبهة وإبطالها وذكرأدلة ضعفها
وأقسام الناس تجاهها..
ثم بين أن قسما ثالثا هو أصحها فقال:
(والصواب ان ههنا قسما ثالثا غير ما ذكره السائل وهو أن هذا المقدور قدر بأسباب ومن أسبابه الدعاء فلم يقدر مجردا عن سببه ولكن قدر بسببه فمتى أتي العبد بالسبب وقع المقدور ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهذا كما قدر الشبع والري بالاكل والشرب وقدر الولد بالوطيء وقدر حصول الزرع بالبذر وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه وكذلك قدر دخول الجنة بالاعمال ودخول النار بالاعمال وهذا القسم هو الحق وهذا الذي حرمه السائل ولم يوفق له )
ثم ختم الإمام قوله في هذه المسألة بدليل عقلي يقول :
( بل الفقيه كل الفقيه الذي يرد القدر بالقدر ويدفع القدر بالقدر ويعارض القدر بالقدر بل لا يمكن الانسان ان يعيش الا بذلك فان الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر والخلق كلهم ساعون في دفع هذا القدر بالقدر وهكذا من وفقه الله وألهمه رشده يدفع قدر العقوبة الاخروية بقدر التوبة والايمان والاعمال الصالحة فهذا وزن المخوف في الدنيا وما يضاده فرب الدارين واحد وحكمته واحدة لا يناقض بعضها بعضا ولا يبطل بعضها بعضا فهذه المسألة من اشرف المسائل لمن عرف قدرها ورعاها حق رعايتها والله المستعان)
ثم رجع الأمام مرة أخرى ليتحدث عن الرجاء..
ومن أعجب القول في الرجاء وأجلاه كما قال ابن القيم قول الحسن قال ابن القيم:
(وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له كما قال الحسن البصري ان المؤمن أحسن الظن بربه فاحسن العمل وان الفاجر أساء الظن بربه فاساء العمل)
ثم بدأ الإمام ابن القيم يشرح هذه الفلسفة البديعة الجميلة...
ومن ثم ختم الإمام الفصل بالـتأكيد على أهميته..
والإشارة إلى قاعدة جليلة..وفرق بين الغرور وحسن الظن بالله يقول رحمه الله :
(ولاتستطل هذا الفصل فان الحاجة اليه شديدة لكل أحد
ففرق بين حسن الظن بالله وبين الغروربه
قال الله تعالى <ان الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله>
فجعل هؤلاء أهل الرجاء لاالظالمين والفاسقين وقال تعالى <ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم>
فاخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها
فالعالم يضع الرجاء مواضعه والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه )
تحميل الداء و الدواء[/font][/color][/size]